الفلسفة عبر اعمال بعض كبار الفلاسفة

  Tarbawya

هَذِهِ ترجمة قمت بِهَا مُنْذُ عدة سنوات.. وجدتها من ضمن مجموعة من المواضيع الَّتِي لَمْ أستطع نشرها فِي حينها.. لَمْ أعد أتذكر الكتاب، المهم أَنَّهَا موجهة للمبندئين فِي دراسة هده المادة.

“لِمَاذَا نشأت الفلسفة عِنْدَ الإغريق؟ هل الفلسفة ترف فكري لَا قيمة لَهُ؟ كَيْفَ تساعدنا الفلسفة عَلَى التخلص من القيم المادية؟ لِمَاذَا لَا توجد فلسفة بِدُونِ لغة؟ مَا هِيَ قواعد اللغة الفلسفية؟ مَا هِيَ اللغة المستخدمة؟ أي نوع من المخبرين يكون الفيلسوف؟ مَا هُوَ دور المساءلة؟ لِمَاذَا يتعارض العقل مَعَ العنف؟

.

– لَا نصبح فلاسفة إلَّا بالتفلسف.

من أنا؟ هل لحياتي معنى؟ مَا معنى الخير والشر؟ مَا هُوَ أصل العالم؟ هل الله موجود؟

إِذَا كُنْتُمْ قَد طرحتم عَلَى أنفسكم من قبل هَذِهِ الأسئلة فأنتم قَد شرعتم فِي التفلسف, لأنه لَا شيء بديهي بِالنِسْبَةِ للفيلسوف, فهو يندهش أَمَامَ كل شيء، من الأشياء المعتادة المألوفة إِلَى الأشياء المجهولة, كثير من الناس يطرحون عَلَى أَنْفُسَهُمْ هَذِهِ الأسئلة لكن أقلية مِنْهُمْ يخصصون حياتهم لِلإِجَابَةِ عَنْهَا.

أولئك اللَّذِينَ أجابوا عَنْ هَذِهِ الأسئلة غيروا غَالِبًا كيفية إدراكنا للعالم وفهمنا لَهُ. البعض كانوا علماء, فنانين, رجال دين آخرين رؤساء دول و آخرين أخيرا كانوا فلاسفة.

مَا الفلسفة؟

لَا يوجد جواب بسيط لِهَذَا السؤال ذَلِكَ أن لِكُلِّ فيلسوف وَفِي كل عصر فكرة مختلفة عَنْ مَا يفعل مَعَ ذَلِكَ كل هَؤُلَاءِ كَمَا يَبْدُو ينتمون إِلَى نفس الأسرة كلهم يندهشون ويتساءلون عَنْ معنى الأشياء لأننا إِذَا لَمْ نندهش فإننا لَنْ نطرح أسئلة وَإِذَا لَمْ نتساءل فإننا سنكتفي بترديد مَا اكتشفه الآخرون من قبل وَلَنْ نتقدم فِي معرفة العالم.

ينطلق الفلاسفة إذن من هَذِهِ الفكرة البسيطة وَهِيَ أننا لَا نعرف أي شيء وأنه يكون من الخطر الاعتقاد فِي معرفة كل شيء عَلَى أن نكون جاهلين, هَكَذَا يعيد الفلاسفة ثانية طرح كل شيء وينطلقون من الصفر فِي كل مرة.

مَتَى ظهر الفلاسفة؟

بمعنى أوسع لِكُلِّ ثقافة ولكل بلد ولكل عصر مفكرين كبار لكن هَذَا الكتيب لَا يعالج إراديا إلَّا الفلسفة بالمعنى الضيق يَعْنِي ذَلِكَ النمط من التفكير الَّذِي ظهر فِي العالم الغربي وَالَّذِي أقام علاقات خاصة مَعَ العلم والفن والدين, هَذِهِ العلاقات تختلف فِي الشرق أَوْ فِي البلدان ذات الثقافة الإسلامية. لَقَدْ ظهر هَذَا النمط من التفكير فِي اليونان وَفِي المستعمرات مُنْدُ 2000 عام وبالرغم من أن الفلسفة اليونانية قَد تأثرت بمصر وأسيا الصغرى فَإِنَّها أبدعت بالفعل طريقة جديدة لتفحص القضايا والعمل عَلَى حلها.

لِمَاذَا تصلح حاليا؟

مُنْذُ مُدَّة طويلة اعتبرت الفلسفة علما للعلوم وَكَانَت تضم مجموع المعرفة الإنسانية فكل العلوم كَانَت جزءا مِنْهَا أَمَّا اليوم فبعد أن انفصلت العلوم عَنْ الفلسفة ماذا تبقى لَهَا وَالبِتَّالِي مَا دور الفلسفة اليوم؟

لطرح الأسئلة, نعم لَقَدْ تطور العالم بِشَكْل سريع حَتَّى أن طرق تفكيرنا وممارساتنا بدورها تبدلت, إن العلم والتكنولوجيا يغيران من نظرتنا إِلَى العالم ذَلِكَ أن المقاولات القديمة الَّتِي كَانَت تسخر لِفَهْمِ الكون لَمْ تعد صالحة, بعض الفلاسفة إذن أصبحوا يتساءلون حول نتائج العلم ويعتمدون أمثلة معروفة مِنْ أَجْلِ إعادة طرح بعض الأسئلة الأساسية وهذا نموذج لبعض الأسئلة الَّتِي يَجِبُ عَلَى عالمنا أن يطرحها عَلَى نفسه.

هل الفيروس المعلوماتي حي؟

يقتسم الفيروس المعلوماتي والفيروس البيولوجي نقطا مشتركة بإمكان الاثنين احتلال عضوية معينة أَوْ- حاسوبا-بِدُونِ أن يكون مَعَ ذَلِكَ فِي حركة. إِنَّهَا عبارة عَنْ منظومة مشفرة فَإِذَا كَانَت بَيْنَ الاثنين كل هَذِهِ النقط المشتركة فَكَيْفَ يُمْكِنُنَا تحديد الحياة؟ مَا الفرق بَيْنَ المادة الميتة والكائنات الحية ؟ هل الحياة طاقة؟ هل هِيَ معلومة يمكن أن توزع ذاتيا؟ إن فيروسا معلوماتيا هُوَ بالفعل معلومة تتكاثر ذاتيا كَمَا تتكاثر الكائنات الحية بفضل المعلومة المتواصلة فِي جيناتها –مورثاتها-؟

هل أنا إنسان آلي humanoide؟

لنتخيل بأننا نستطيع صنع آلة تشبه الإنسان ونفكر مثله لَا بد كذلك أن تكون مبرمجة لتحس وتنفعل, فما هُوَ التصور الَّذِي ستكونه هَذِهِ الآلة عَلَى ذاتها؟

يهتم الفلاسفة بالذكاء الاصطناعي لأنه يقترب أكثر فأكثر من الكيفية الَّتِي نفكر بِهَا ويسمح هَذَا بفهم جيد لاشتغال الذكاء الإنساني. إِلَى حد الآن من المستحيل برمجة حاسوب يمكنه أن يتكيف مَعَ مواقف وحالات جديدة بسيطة ويفهم تعقد اللغة كَمَا يفعل هَذَا الإنسان.

السحرة الصغار

نتسائل عَنْ الأخلاق, الايتيكا-, عَنْ الخير والشر وحول كيفية السلوك, إن نُقَدِّم العلم جعل

من اللا متخيل ممكنا مُنْذُ عشرات السنين فَقَطْ حَيْتُ أصبحنا مَعَ القنبلة الهيدروجينية قادرين عَلَى تحطيم أنفسنا وَفِي نفس الوقت قادرين عَلَى الحفاظ عَلَى الحياة وخلقها وتحويلها فما هِيَ إذن حدود هَذِهِ القدرة؟

الإنسان والطبيعة

مُنْذُ عصر النهضة اعتبر الناس الطبيعة كموضوع يمكن استغلاله لصالحهم ويتناسوا بأنهم جزء لَا يتجزأ من هَذِهِ الطبيعة. أصبحنا نعتقد بأنه حان الوقت لتغيير نظرتنا إِلَى محيطنا والكف عَنْ تلويث الهواء, الماء, الأرض ذَلِكَ أن مصير الإنسان مرتيط بمصير الأرض. وبدأنا نتسائل أيضًا عَنْ علاقاتنا بالحيوانات الَّتِي نقضي عَلَيْهَا أكثر فأكثر فأي حق عندنا لِلتَّعَامُلِ مَعَ الحيوانات كموضوع تجارب أَوْ كتمائم أَوْ كغذاء أليس للحيوانات بعض الحقوق؟

مَا الزمن؟

الزمن, من الموضوعات المفضلة عِنْدَ الفلاسفة والعلماء المعاصرين فإلى حدود النظرية النسبية لأنشتاين جعل العالم من الزمان والمكان شيئين مختلفين متمايزين أَمَّا أنشتاين فقد بَيْنَ بأنهما يشكلان زوجا لَا يتفرق : كلما أسرع شيء مَا كلما تقلص الزمن وبما أن الزمن يقلص سرعته إِلَى الصفر بسرعة الضوء ماذا سيحدث إِذَا استطعنا السفر بسرعة أكثر من سرعة الضوء؟ وكيف يمكن تفسير أن إدراك الزمن يتغير من تجربة إِلَى أُخْرَى

قوموا بأحلام جميلة

يقضي الناس ثلث حياتهم فِي النوم , وهم يحلمون كَمَا تحلم الحيوانات. نتفهم بِأَنَّ عَلَى الجسم أن يرتاح لكن لِمَاذَا نحلم؟ لَا نعرف إلَّا الشيء القليل عَنْ الأحلام, ماذا يجري فِي أحلامنا؟ لِمَاذَا تصلح الأحلام؟ بماذا تخبرنا؟ هل قوانين الحلم هِيَ نفسها قوانين العالم فِي اليقظة؟ ماهي قيمة هَذَا العالم الَّذِي يقدمه لنا الحلم؟

ماذا يوجد فِي هَذَا الكتاب ؟

إننا لَنْ ندرس القضايا المعاصرة الَّتِي أتينا عَلَى طرحها فهذه مهمتكم أنتم إن كُنْتُمْ تطمحون لِأَنَّ تصبحوا فلاسفة, لَقَدْ فضلنا أن نُقَدِّم لكم المفكرين الكبار أولئك اللَّذِينَ عرفوا طرح الأسئلة الخَاصَّة لعصرهم وخلدوا هَكَذَا بتصوراتهم للعالم. إن هَذَا العرض سيبين لكم بِأَنَّ الفلسفة ليست مجموعة من المذاهب, هَذَا الفيلسوف ليس عَلَى حق أكثر من آخر كَمَا الشأن فِي تَارِيخ الفن, لَا وجود لخطأ أَوْ تقدم فِي الفلسفة كل فكرة تتناسب مَعَ حالة من مجتمعنا من تاريخنا. فِي الجزء الثاني من الكتاب حاولنا إفهامكم معنى التفلسف كَيْفَ يعمل الفيلسوف لمساءلة معنى الأشياء؟ هل يوظف نفس الكلمات المتداولة ؟

مَا قبل السقراطيين

يبتدئ تَارِيخ الفلسفة فِي المستعمرات اليونانية الموجودة حاليا فِي تركيا وصقلية واليونان. أول مرة لَمْ يرض الناس – الفلاسفة الأوائل- بتفسير الكون بحكي الأسطورة حول خلق العالم انهم يتجرأون عل طرح سؤال يصعب الإجابة عَنْهُ « مِمَّا صنع الكون؟ » « مماذا يتشكل الكون؟ »وللإجابة لَا يستنجدون لَا بالإله وَلَا بالسحر لكن مَعَ ذَلِكَ نجهل مَا كتبوه حقيقة لأنه لَمْ يبق لنا إلَّا شذرات من كتبهم.

طاليس

كَانَ يقطن بالميناء التجاري الغني لملطية عَلَى الساحل التركي, كَانَ رجل سياسة وفلكي ومهندس لَهُ خمس مبرهنات, لَمْ يبق لنا أي شيء مِنْهُ وَهُوَ يعتبر أول فيلسوف لأنه جعل من الماء والرطوبة أصل نظريته حول العالم. بتأكيده بِأَنَّ الماء ضروري للحياة وأنه أصل كل شيء, توصل طاليس إِلَى إْقتِرَاح فرضية حول أصل الأشياء دون اعتماد الصور أَوْ الأسطورة, انه ليس اقتراحا خياليا لكن عقلانيا, لَقَدْ مَكَّنَ معاصريه وَهُوَ يبحث عَنْ الفكرة الأساسية الَّتِي تُنَظِّمُ العالم من فهم مَا يربط بَيْنَ كل العناصر وَأَن الكون يشكل كلا منسجما لِهَذَا السبب يعتبر تفكير طاليس تفكيرا فلسفيا.

انكسماندرس

كَانَ بدوره يعيش فِي ملطية وينتمي إِلَى نفس المفكرين اللَّذِينَ يتساءلون حول مادة الكون, فلكي وجغرافي وَهُوَ أول من شيد نظرية حقيقية حول الكون. وَهُوَ أخلاقي يتساءل حول قيمة الحياة ويدرك بِأَنَّ الحياة تحمل الكثير من التغيرات فكل من ولد لَا بُدَّ أَنْ يفنى, إن كيفيات الكائن الحي ليست خالدة)قامتنا, قوتنا, لون شعرنا تتغير مثلا( ويعتقد إذن بِأَنَّ مَا لَا يتغير وَلَا يفنى يمكن أن يكون مصدرا للأشياء. يَتَعَلَّقُ الأمر إذن بشيء لَا محدود خالد بِدُونِ كيفيات محددة.

أنكسمانس

كَانَ تلميذا لأنكسماندرس وَهُوَ ثالث أكبر مفكري ملطية بِالنِسْبَةِ لَهُ يعتبر الهواء مبدأ أول )مصدر( للعالم بِمَا أن الناس هم فِي حاجة إِلَى التنفس للعيش يكون الهواء منبع لِكُلِّ حياة ولكل شيء. وتتعلق الحياة بمدى أَوْ بدرجة كثافة الهواء فعندما يتكيف الهواء أَوْ ينطلق يمكن أن يتحول بالتتالي إِلَى سحاب, ماء, وحجر, وحل وعندما يتخلخل يتحول إِلَى نار ويضيف أنكسمندرس أن نفس البشر هِيَ بدورها وجدت من الهواء. بالفعل فان التنفس بِالنِسْبَةِ لليونان مرتبط بالحياة ألا نقول « لفظ أنفاسه الأخيرة » الهواء إذن مبدأ مهم جدا بِالنِسْبَةِ لأنكسمانس بِمَا أَنَّهُ يفسر فِي نفس الوقت العالم المادي والعالم الروحي.

فيثاغورس

ولد بسوموس, سافر إِلَى مصر ثُمَّ إِلَى إيطاليا حَيْتُ أسس مدرسة كَانَت تدرس بِهَا الرياضيات بجانب الدين مِنْ أَجْلِ التطهير الذاتي. أثر عَلَى أفلاطون وأر سطو وَكُل الفكر الرياضي العربي. إن المفهوم الأساسي لفلسفته هُوَ التناغم, اكتشف فيثاغورس أَنَّهُ بتقليص إِلَى حد النصف وتر القيثارة ) الرباب( فالصوت الناتج هُوَ ثماني متصاعد، فعمل عَلَى سحب هَذِهِ العلاقة بَيْنَ العدد والتناغم الموسيقي إِلَى العالم بأسره, إن الكون بدوره حَسَبَ فيثاغورس ينتج موسيقى سماوية, فهو يرى أَنَّ كُلَّ الأشياء تمكن إذن أن تترجم إِلَى أعداد وعلاقاتها إِلَى علاقات عددية

هيرافيلدس

ولد بEphese لقب بالغامض من قبل معاصريه اللَّذِينَ كَانَ لَهُمْ مشقة فِي فهمه, يؤكد هيرافيلدس الضرورة الأبدية للعالم. كل شيء يتغير فِي كل لحظة وَلَا شيء ثابت وَلَا دائم وهذا التغيير الدائم يأتي من تعارض الأضداد الأبدي. وَأَن انتصار الواحد ليس إلَّا مؤقتا. كل شيء انطلاقا من هَذَا نسبي فمياه البحر سيئة للناس لكنها صالحة للأسماك، فَلَا وجود لتناقض أَوْ تعارض بَيْنَ الجسم والروح, بَيْنَ المادة و اللامادة بِمَا أن نفس القانون هُوَ الَّذِي يدير الكل.

بارمنيدس

ازداد بElee جنوب إيطاليا ضمن عائلة مشهورة لَمْ يتبق لنا مِنْهُ إلَّا 150 بيتا شعريا من قصيدته الديداكتيكية حول الطبيعة, انه الأكثر غموضا من كل الفلاسفة اللَّذِينَ أتوا قبل سقراط, انه يعارض هيرافيلدس بتأكيده أن اختلاف وتنوع الأشياء مَا هُوَ إلَّا مظاهر, ذَلِكَ أن خلف هَذِهِ التغيرات شيء ثابت وخالد يطلق عَلَيْهِ بارمنيدس الوجود لكن هَذِهِ الحقيقة غير مرئية فَهِيَّ تتعلق بالتفكير وَلَيْسَ بالإحساس وبما أننا لَا نفكر إلَّا فِي الوجود أَوْ مَا هُوَ موجود فان الفكر والواقع هُمَا شيء واحد, إن بارمندس يهتم بالوحدة الخالدة للعالم

امبادوقليس

ولد بصقلية هُوَ ذو شخصية قوية, رجل دولة, طبيب , شاعر ويشاع أَنَّهُ كَانَ يأتي بمعجزات وَلَمْ يتبق من إنتاجه الا400 بيت من قصيدة حول الطبيعة و100 بيت من قصيدة حول التطهير. يرى كَمَا يرى الطبيب أيوقراط بِأَنَّ العالم يَتَكَوَّنُ من أربعة عناصر: النار- الهواء- الماء- التراب وهذه العناصر خالدة,أبدية ثابثة تمتلك نفوسا. لَا شيء يخلق وَلَا شيء يفنى لكن كل شيء يتحول حَسَبَ نسبة هَذِهِ العناصر الأربعة ضمن نفس الشيء. فعلاقاتها مضبوطة محددة بِوَاسِطَةِ قوانين هُمَا الحب والكراهية اللذين يعملان عَلَى توحيدهما أَوْ تفريقهما عَلَى التوالي.

سقراط

ولد بآتينا من أب نحات وأم تولد النساء, لَمْ يترك أبدا مسقط رأسه اللهم فِي فترة الحرب البوليونيزية فِي كل حياته تساءل عَنْ الأسباب الَّتِي تحرك الناس لَقَدْ كَانَ يمضي وقته فِي الساحة العمومية يسأل الناس عَنْ مهنتهم, فِي مقابل السقسطانيين اللَّذِينَ كانوا يعدون اتباعهم بالسلطة السياسية بتعليمهم فن الجدل والخطابة .لَمْ يكن سقراط يدرب أتباعه عَلَى السيطرة عَلَى نقاش بفرض حججهم بَلْ كَانَ يحثهم عَلَى تقد كل مَا يعرفونه, اتهم بِعَدَمِ الاعتقاد فِي آلهة المدينة وتحريف عقلية الشباب فحكم عَلَيْهِ بشرب السم سنة 399 ق م.

كل مَا أعرف هُوَ أنني لَا أعرف

من كثرة مساءلته لمعاصريه أدرك سقراط بِأَنَّ محاوريه لَا يستطيعون تبرير أفعالهم وأفكارهم فأغلبهم يصدر عَنْ أفكار جَاهِزَة يَعْنِي من آراء والحالة هَذِهِ أننا عِنْدَمَا نعتقد أننا عَلَى صواب لَا نبحث عَنْ التعلم والمعرفة لِهَذَا ارتأى سقراط بِأَنَّ البداية تكون بالاعتراف بالجهل لكي يتم التقدم فَفِي لحظة مساءلة كل شيء يبدأ التفكير وَالبِتَّالِي فان سقراط لَمْ يعلم تلامذته أي شيء بَلْ كَانَ يحفزهم عَلَى طرح بعض الأسئلة لمساعدتهم عَلَى معرفة ذاتهم حيت كَانَ يولد مِنْهُمْ حقيقة كانوا يجهلون أَنَّهُمْ يملكونها, كَانَ يقدم نفسه ويتهكم كمولد للنفوس, لَمْ يكتب سقراط أي شيء لأنه لَمْ يكن يُرِيدُ أن يجمد فكره بَلْ يطوره فِي كل حوار. نهايته المأساوية جعلت مِنْهُ رمزا : انه يمثل لحد الآن الفكر الحر المستفز والمخيف .

أفلاطون

سليل نسب أتيني نبيل حَيْتُ أراد فِي البداية أن يَشْتَغِلُ فِي السياسة إلَّا أن لقاءه بسقراط الَّذِي كَانَ يعتبر أحكم وأعدل إنسان فِي عصره حفزه عَلَى البحث عَنْ الحقيقة وَلَيْسَ عَنْ السلطة. كَانَ بمستطاع كل مواطن حر فِي آتينا أن يعبر عَنْ رأيه فِي جمعيات فالذي كَانَت لَهُ قدرة الكلام والإقناع يصبح ذا نفوذ، فقرر أفلاطون أن يوظف هَذِهِ التقنية فِي خطابه لخدمة الحقيقة. عَلَى منوال سقراط سار وَإِعْتَبَرَ الحقيقة بحثا ونقصا وليست نتيجة, كل كتاباته اتخذت شكل حوار حَيْتُ يمثل سقراط فِيهَا المتحدث الرسمي وَالَّذِي يطرح أسئلة عَلَى الجندي حول معنى الشجاعة وَعَلَى العاشق حول معنى الحب الخ – لَمْ تعط محاوراته إجابة أَوْ نظرية أبدا.

مَتَى تصل النفس إِلَى الحقيقة ؟

أفلاطون هُوَ أول فيلسوف أَشَارَ إِلَى أهمية الأفكار فِي البحث عَنْ الحقيقة. إِذَا أردنا أن نفكر فيجب علينا أن نترك احساساتنا جانبا. فليس هده الحجرة أَوْ هَذِهِ الوردة الحمراء أَوْ هَذَا الجندي هم اللَّذِينَ بِمَا هم كذلك سيساعدوننا عَلَى فهم العالم فأفكار الصلابة واللون والجمال والشجاعة هِيَ الَّتِي تخول لنا التساؤل حول كيفية اشتغال العالم. تكمن المشكلة فِي كون الفكرة لَا تفصح عَنْ نفسها فَلَا نستطيع أن نلمسها أَوْ أن نحس بِهَا أَوْ أن نراها, فما يُمْكِنُنَا فعله هُوَ التفكير فِيهَا فَقَطْ. للتوصل إِلَى هَذَا يقترح أفلاطون منهج الدياليكتيك :بِوَاسِطَةِ تقنية السؤال والجواب يحاول الفيلسوف بناء فكرة بسيطة ومشتركة لِكُلِّ الأمثلة الخَاصَّة الَّتِي تقدمها لنا الحواس. بفضل العقل واللغة وَلَيْسَ بحواسنا الخمس نلج هَكَذَا إِلَى حقيقة الأشياء, إِلَى الحقيقة فبطرحنا الأسئلة إذن نبدأ فِي التفكير وان حركة الديالكتيك هِيَ الَّتِي تنتج الحقيقة.

أرسطو

أبوه نيكوماخ طبيب وصديق للملك المقدوني مملكة توجد شمال اليونان, بدأ أر سطو فِي تعلم التشريح والطب مَعَ والده وسيحتفظ طوال حياته بِإِهْتِمَامِ عميق بالطب والبيولوجيا فِي سن 17 سيتوجه إِلَى آتينا للدراسة فِي أكاديمية أفلاطون, بعد 20 سنة وَبعْدَ موت هَذَا الأَخِير سيتخلى عَنْ كل شيء وينطلق مسافرا وَبعْدَ عدة سنوات سيصبح أستادا للأمير المقدوني الكسندر الأكبر سنة 335 ق م سيعود أر سطو إِلَى آتينا مِنْ أَجْلِ تأسيس مدرسته الخَاصَّة « الليسي » وَلَا نحتفظ بتعليمه إلَّا عبر المسودات الَّتِي كَانَ يهيئ بِهَا دروسه لِأَنَّ كل دروسه المنشورة قَد ضاعت.

الفلسفة غير ذات منفعة

أر سطو عالم شغوف بِكُلِّ المواضيع أكثر من الحكيم, بالرغم من أَنَّهُ يولي أهمية للتجربة فانه أَكَّدَ عَلَى أَنَّهُ لَا يكفي ملاحظة الطبيعة لتأسيس علم, يَجِبُ استخراج مبادئ وتنظيمها. يعرف الفلسفة بأنها علم كلي ويقسمها إِلَى عدة مجالات محددة : الطبيعيات أَوْ فلسفة الطبيعة كلمة طبيعة آتية من فعل نما فِي اليونانية, الأخلاق وَهِيَ الَّتِي تهتم بالسلوك الإنساني، علم النفس يهتم بدراسة التغذية والإحساس والذاكرة والخيال والعقل والبلاغة) الخطابة( هِيَ فن إنتاج أجمل الخطابات, السياسة تهتم بدراسة أحسن أشكال الحكم, أَمَّا الشعرية فَهِيَّ الَّتِي تحدد الجميل والممتع فِي الشعر وَفِي التراجيديا.

كل موضوع أَوْ شيء مدروس يتطلب منهجية خاصة بِهِ بِالنِسْبَةِ لأر سطو لَا تطلب الحكمة مِنْ أَجْلِ المنفعة, لِأَنَّ الحكمة ليست تقنية لإنتاج هَذَا الشيء أَوْ ذاك ولكنها كيفية للتفكير تسمح بالتحرر من الحياة المادية.

أبيقور وزينون

حوالي 300 ق م أسس أبيفور وزينون كل فيلسوف مِنْ جِهَتِهِ مدرسة فِي آتينا وَكَانَ للمدرستين هدف عملي أكثر من الأكاديمية الأفلاطونية أَوْ الليسي الأرسطي : فِي المؤسستين مَعًا يتم تدريس كيفية بلوغ الحكمة, فأبيفور كَانَ يبحث عَنْ السعادة الفردية الَّتِي تقتضي عدم الاهتمام بالسياسة والتحرر من الخوف من الآلهة وَمِنْ الموت. عاش أبيفور منسجما مَعَ مبادئه حَيْتُ كَانَ يزرع المحبة ويعيش حياة بسيطة فلكي يبلغ الفيلسوف الحكمة لَا يلبي إلَّا رغباته الضرورية المتمثلة فِي الأكل والشراب وعند الحاجة, أَمَّا الرغبات الأخرى فَهِيَّ غير ضرورية لأنها غير قادرة عَلَى القضاء عَلَى الألم لِأَنَّ الألم يجسد الشر و« اللذة هِيَ أعظم الخيرات »

الرواقية أسلوب فِي الحياة يرتكز عَلَى منظومة من الأفكار المؤسسة. كل شيء قائم : يَجِبُ معرفة التحليل العقلي) المنطقي( ومعرفة الطبيعة) الطبيعيات( مِنْ أَجْلِ التصرف جَيِّدًا) الأخلاق( و إدراك الحكمة. الفلسفة هِيَ توحيد هَذِهِ المجالات الثلاثة حَيْتُ تؤدي الممارسة إِلَى السعادة والى فضيلة الحكيم. إن العقل الَّذِي يضبط أفكارنا كَمَا يضبط أيضًا الكون يَجِبُ أن يتسع ليضبط سلوكنا, كَمَا هُوَ الأمر بِالنِسْبَةِ للرواقيين فان العالم خاضع لقدر محتوم فما هِيَ مكانة الإنسان فِي هَذَا العالم المحدد سلفا؟ من الحكمة أن نقول نعم للطبيعة, للقدر يَجِبُ أن نكون فِي انسجام وتناغم مَعَ الطبيعة وَلَيْسَ ضدها. وحد زينون مَا بَيْنَ نظام الطبيعة وحرية الحكيم, يَجِبُ إذن أن نميز الأشياء الَّتِي ليس لنا ضدها أي سلطة كالجسد والثروة والتشريفات مِنْ أَجْلِ تجنب البكاء والتأسف عَلَيْهَا والأشياء الَّتِي نتحكم فِيهَا كآرائنا ورغباتنا وأعمالنا مِنْ أَجْلِ تحقيقها عَلَى أحسن وجه.

هيباسيا

ولدت فِي الأكسندرية من أعظم مدن الإمبراطورية الرومانية حَيْتُ كَانَت تدرس بِهَا النصوص الإنجيلية ثُمَّ العلم والفلسفة الإغريقية. تعلمت هيباسيا الرياضيات والفلسفة مَعَ والدهاTheon وبفضل ذكاءها وفصاحتها وتواضعها سيرت المدرسة الأفلاطونية الجديدة حَيْتُ كَانَت تدرس بِهَا الميتافيزيقا, الأخلاق, الرياضيات والفلك وَلَمْ يبق لنا إلَّا بعض عناوين أعمالها فِي الرياضيات والفلك وَلَا شيء من أعمالها الفلسفية. كَانَت هيباسيا مرشدة كَمَا كَانَت أستاذة, لَقَدْ كَانَت تدرس لتلامذتها الجزء الإلهي من الإنسان الَّتِي كَانَت تطلق عَلَيْهِ « العين الخفية بداخلنا »

فَإِذَا كَانَت حياتها تحولت إِلَى أسطورة فلكونها أول امرأة رياضية وفيلسوفة فِي التَارِيخ, لَقَدْ كَانَت ضحية للتعصب, فِي عصر عاش قلاقل وفتن حَيْتُ تواجه اليهود والمسيحيون والوثنيون بحدة, بالرغم من كونها كَانَت عميقة التدين إلَّا أَنَّهَا ظلت بعيدة عَنْ هَذِهِ الصراعات الجماعية ذَلِكَ أن دينها كَانَ يتجاوز الآلهة الإغريقية القديمة. كَمَا هُوَ شأن أفلاطون كَانَت تعمل عَلَى تكثير الإلهي بداخلها الَّذِي كَانَت تطلق عَلَيْهِ « الواحد » مصدر كل حقيقة إن البحث الفلسفي عندها مقدس كالسر الذاتي. فَلَا بد أن نبحث عَنْ الحقيقة الإلهية بداخلنا ونبتعد عَنْ مَا تمده لنا الحواس, فهدف الفلسفة هُوَ التأمل)النظرية عِنْدَ الإغريق( يَعْنِي الاتحاد بالله, الواحد. لِهَذَا السبب عاشت حياة بسيطة وعفيفة لِأَنَّ الاتحاد بالله يتطلب التخلي عَنْ الرغبات وعدم الاهتمام بالأشياء المادية. نهايتها المأساوية )اعتدي عَلَيْهَا وَتَمَّ تعذيبها و أحرقت فِي الكنيسة مِنْ طَرَفِ بعض المسيحيين( تحولت مُنْذُ القرن 17 إِلَى وجه رمزي يجسد التفكير العقلاني الحر.

توما الأكويني

وضعه أبوه مُنْذُ الخَامِسَة من عمره فِي كنيسة بندكتية إلَّا أَنَّهُ تحول بعد سن 20 إِلَى الدومينكان مِمَّا أقلق عائلته الَّتِي فرضت عَلَيْهِ المكوث بقوة فِي الكنيسة الأُوْلَى. بعد تحرره سافر إِلَى باريس لدراسة اللاهوت عَلَى يد ألبير الكبير, يمكن القول بِأَنَّ توما أمضى حياته فِي الجامعات : باريس- كولونياوروما ونابل, كَانَ يرفض بالتتالي أن يكون مسؤولا عَنْ كنيسة مون كاسان ومطرانا لنابل وَهِيَ المهمة الَّتِي منحها إياه البابا.

لَقَدْ لعب توما الاكوني دورا مهما فِي الحياة الثقافية لعصره وَذَلِكَ بتفسير وتوضيح فكر أر سطو بالغرب وَلَنْ يتم لَهُ هَذَا بِدُونِ عوائق ذَلِكَ أن الكنيسة كَانَت تمنع تدريس فلسفة أر سطو فِي بداية القرن 13 .

الفلسفة خادمة للدين

لَقَدْ عرف توما الاكويني كَيْفَ يوظف ذكاءه فِي خدمة الله والحقيقة المسيحية ذَلِكَ أن مشكلته الأساسية وَهِيَ مشكلة كل مفكري العصر الوسيط كَانَت منحصرة فِي كيفية التوفيق بَيْنَ العقل والمعتقد و إقامة علاقة ودية بَيْنَ الفلسفة واللاهوت ) دراسة القضايا الدينية انطلاقا من النصوص الدينية فِي الإنجيل( لَقَدْ كَانَ توما قبل كل شيء لاهوتي فِي خدمة الله وَكَانَت لَهُ فِي نفس الوقت ثقة بالعقل لأنه لَا يمكن أن يخدعنا إِذَا وظفناه جَيِّدًا أَمَّا الله فَلَا يمكنه أن يضلنا ويحثنا عَلَى الخطأ. فالحقيقة إذن واحدة فما هُوَ صحيح حَسَبَ الكلمة الإلهية الَّتِي يكشفها الوحي فِي النصوص المقدسة لَا يمكن أن يكون خاطئا حَسَبَ العقل. لَا يوجد حَسَبَ توما الاكويني إذن أي مشكل فِي فهم الحقائق الإيمانية فهما عقلانيا. فلسفة توما الاكويني هِيَ هَكَذَا لاهوتا طبيعيا يسعى لإثبات الله عقلانيا.

ديكارت

ولد بتورين وتربى فِي المدرسة اليعقوبية حَيْتُ درس فِي سنواته الثلاث الأخيرة كل الفلسفة الأرسطية, فِي سن العشرين حصل عَلَى الإجازة فِي القانون حَيْتُ جاب أوروبا لمدة عشر سنوات لتكميل تربيته قبل أن يستقر بهولندا. عَلَى بعد عدة شهور من موته قبل دعوة الملكة الشابة للسويد كريستين مِنْ أَجْلِ تدريسها الفلسفة. مثل أفلاطون يحتاط ديكارت من الأفكار الَّتِي تلقاها حَيْتُ قرر إعادة النظر فِيهَا. يبدأ فلسفته بشك تدريجي ومنظم وما لَا يمكنه أن يشك فِيهِ هُوَ الشيء المتيقن مِنْهُ وهذا اليقين الأول هُوَ العبارة الشهيرة أنا أفكر إذن أنا موجود

فِي كل مرة أشك لَا يمكن حَتَّى للشيطان الماكر أن يخدعني عَنْ حقيقة أنني لَا أشك. عِنْدَمَا أشك أفكر ويمكنني أن أفكر فِي كل شيء إلَّا فِي كوني سأنتهي عَنْ التفكير إذن بِمُجَرَّدِ مَا أفكر فأنا مستمر فِي الوجود والشيء اليقيني هُوَ وجودي, هَكَذَا يعتقد ديكارت أَنَّهُ وجد نقطة لبداية يقينية عَلَى أساسها سيشيد فلسفته.

يعتبر ديكارت مؤسس الفلسفة الحديثة لأنه يبين بِأَنَّ كل تفكير مرتبط بالشخص الَّذِي يفكر « أنا » فكل معرفة هِيَ دائما « معرفتي » من هُنَا ضرورة إعادة التفكير ذاتيا فِي كل شيء وهذا مَا يؤكده الكوجيطو ويؤكد ديكارت بِأَنَّ العقل هُوَ فِي متناول الجميع يكفي حسن استخدامه وَمِنْ أجل هَذَا تطرح ضرورة المنهجية ومنهجية ديكارت مستوحاة من ممارسته للرياضيات لِهَذَا يعتقد بِأَنَّ منهجه فعال إِلَى أقصى درجة وبفضله يستطيع الناس أن يتحولوا إِلَى « أسياد ومالكي الطبيعة».

سبينوزا

من عائلة يهودية هاجرت إِلَى أمستردام هروبا من الاضطهاد الكاثوليكي إِبْتِدَاءً مِنْ 1492 لَمْ ينشر إلَّا كتابين فِي حياته وسنة1656 طرد من الجماعة اليهودية مِنْ أَجْلِ آرائه النقدية للديانات, فَهِيَّ حسبة تحبس الإنسان ضمن آمال مغلوطة تَتَمَثَلُ فِي جزاء بعد الموت وَهِيَ بِهَذَا تثبط من عزيمته الحرة. انه يرفض الاعتقاد الَّذِي يرى بِأَنَّ الله يسلك كالإنسان وأنه يطلب هَذَا أَوْ ذاك من البشر لِهَذَا يؤكد بِأَنَّ الله هُوَ ملجأ الجهل.

بَعِيدًا عَنْ أن تكون المسألة شخصية فان تصور سبينوزا لله مطابق للطبيعة الَّتِي تشتغل حَسَبَ قوانين ضرورية. إن الطبيعة الَّتِي يعتبر الإنسان جزءا مِنْهَا هِيَ بِالنِسْبَةِ لسبينوزا آلة كبرى لَا تطرح أمامها إلَّا منوالا واحدا : كَيْفَ تشتغل؟ وَلَيْسَ لِمَاذَا؟ إن دراسة الأولويات الطبيعية مسألة أساسية إِذَا أردنا أن نفهم الأسباب الباعثة لأننا عِنْدَمَا نسلك باندفاع وِفْقًا لرغباتنا نعتقد بأننا أحرار لكننا فِي الواقع نستجيب لرغبات طبيعية. هَكَذَا لَا تنفصل الأخلاق عَنْ المعرفة عِنْدَ سبينوزا : يَجِبُ إدراك الكيفية الَّتِي تشتغل بِهَا الطبيعة لمعرفة كَيْفَ تسلك الأخلاق.

يقلب سبينوزا هَكَذَا الأخلاق التقليدية الَّتِي تقول للناس بِأَنَّ يكونوا جيدين إِذَا أرادوا الجزاء بعد موتهم, ويؤكد أَنَّهُ عَلَى كل واحد مِنَّا أن يهتم بنفسه وَيُسَاعِدُ عَلَى بناء مجتمع حر لأنه كلما كَانَ أبناء وطني أحرارا كُنْت أنا كذلك. فهذه الكيفية فِي التصرف هِيَ فِي نفس الوقت واجب أخلاقي ومنبع للسعادة. بِالنِسْبَةِ لسبينوزا, يبلغ الحكيم المعرفة والحرية والفرح فِي نفس الوقت.

جون لوك

ازداد فِي إنجلترا من عائلة من الملاك الصغار, درس لوك الفلسفة باكسفورد قبل أن يدرس فِيهَا. تابع بِإِهْتِمَامِ أعمال روبيربويل واحد من مؤسسي الكيمياء الحديثة وأعمال صديقه طوماس سيدنهايم الطبيب الَّذِي كَانَ يستخدم الأفيون لتهدئة مرضاه. جعلته دراسة الطب يقتنع بِأَنَّ كل معرفة حقيقية يَجِبُ أن تؤدي إِلَى اختراعات نافعة. فكل مَا يفكر فِيهِ يتجه إذن إِلَى هدف : مساعدة الناس, وبما أن لوك عاش فِي حقبة كثرت فِيهِ القلاقل فان تفكيره سيكون سياسيا بالخصوص وكتابه الأساسي هُوَ محاولة حول الفهم الإنساني الَّذِي نشر سنة 1860 العقل عبارة عَنْ صفحة بيضاء

عَلَيْهِ تنقش احساساتنا بالتدريج كل أفكارنا. فهذه حَسَبَ لوك تابعة من التجربة وهذا مَا يسمى بالنزعة التجريبية, وَهُوَ يعارض المثاليين )أفلاطون وديكارت( اللَّذِينَ يعتقدون بوجود الأفكار فِي ذاتها . للبرهنة عَلَى صِّحَة نظريته يرى بِأَنَّ الطفل لَا يعرف أي شيء عِنْدَمَا يولد مِمَّا يدل عَلَى أن الإنسان يصنع معارفه شيئا فشيئا. نكون فِي البداية سلبيين وَلَا نسجل إلَّا الأفكار البسيطة للألوان والأصوات الخ… بعد هَذَا يشكل العقل بفعالية الأفكار المعقدة بالتنظيم أَوْ بالتجريد.

يميز لوك إِذَا بَيْنَ نوعين من الأفكار تِلْكَ المتعلقة بالإحساس المنبعث من حواسنا الخمسة وتلك المتعلقة بالتفكير الَّتِي تتولد من عمليات فكرنا ) التفكير والاعتقاد( عوض البحث عَنْ معرفة يقينية مثل ديكارت, درس لوك إذن الكيفية الَّتِي نتعلم بِهَا لنعرف أفضل قيمة معرفتنا: هَذِهِ الَّتِي هِيَ فِي غالب الوقت محدودة مختمطة فَقَطْ .

دافيد هيوم

كَانَ هيوم يحلم بالمجد الأدبي, فشغفه بالتاريخ والفلسفة جعلاه يعزف عَنْ مهنة رجل قانون, فكرفي نسقه الفلسفي لمدة عشر سنوات قبل أن يكتب مؤلفه الكبير بحث فِي الطبيعة الإنسانية 1937 , استاء من عدم نجاح هَذَا المؤلف فقرر الدخول إِلَى تجربة المؤلفات الصغيرة) المختصرة( : المحاولات الأخلاقية والسياسية سنة 1741 حَيْتُ لاقت كتبه نجاحا, سيشتغل فِي منصب كاتب الجنرال سان كلير حَيْتُ سيسافر إِلَى طورنيو قيثا أَيْنَ كتب بحثه حول الفهم الإنساني سنة 1748 أَصْبَحَ فِيهَا بعد كاتبا لِهَيْئَةِ المحاميين بادنيرة حَيْتُ بدأ كتابة تَارِيخ إنجلترا فِي ستة أجزاء بعد قضاء ثلاث سنوات فِي باريس رجع إِلَى لندن فِي منصب نائب كاتب الدولة أنهى حياته فِي إدنيره.

كن فيلسوفا لكن كن دائما إنسانا

مَعَ هيوم تحول السؤال الأساسي للفلسفة إِلَى كَيْفَ يمكن أن نعرف؟ ثُمَّ مَا هِيَ قيمة معرفتي؟ يتبع خطوات لوك بتأكيده أن التجربة هِيَ المصدر الوحيد لمعرفتنا. حاول هيوم تَطْبِيق المنهج العلمي لنيوتن فِي الفلسفة وَفِي الأخلاق, فلسفته إذن هِيَ بحت مرتكز عَلَى التجربة حَيْتُ يجعل هيوم من الاعتقاد والعادة أسسا لمعرفتنا فنحن نلاحظ بِأَنَّ وضع يدنا فِي النار يؤدي إِلَى الاحتراق فنعتقد بِأَنَّ النار هِيَ سبب الاحتراق وان هَذَا يحصل دائما, لكننا لَا يُمْكِنُنَا أن نلاحظ إلَّا تتالي الظاهرتين الَّتِي تنتقل من الواحد إِلَى الآخر أَوْ أن المسألة تحدث وَلَيْسَ بالضرورة فِي كل مرة. يَجِبُ مِنْ أَجْلِ هَذَا معرفة الأحداث المستقبلية فنحن ننتظر أن تحرق النار بالعادة. يطبق هيوم هَذَا التحليل عَلَى كل أفكارنا حَتَّى تِلْكَ المتعلقة بالله, لأنه من المستحيل علينا التيقن لأننا لَا نتوفر إلَّا عَلَى معارف ضعيفة بَيْنَمَا العلم معارفه صلبة.

إيمانويل كانط

ولد كانط فِي كونسبورغ فِي بروسيا أَيْنَ أمضى كل حياته عاديا وَلَمْ يتزوج وَلَمْ يمرض كَمَا أَنَّهُ لَمْ يسافر قط سيدرس, ويدرس ويكتب, كَانَ يملأ وقته بخروجه اليومي للمشي والنقاش مَعَ أصدقائه. بعد العديد من المنشورات حول مواضيع كونية وطبيعية حول الله والجميل لَمْ يكتب أي شيء لمدة عشر سنوات, فِي سنة 1781 سيخرج مؤلفه العظيم نقد العقل الخالص الَّذِي يتحدث عَنْ المعرفة وَهُوَ فِي سن 60 وسيلي هَذَا كتاب نقد العقل العملي فكتاب حول الأخلاق ثُمَّ نقد ملكه الحكم حول الاستتيقا 1790

ماذا يمكن للعقل أن يكون؟

كل عمل كانط يبين بِأَنَّ العقل يلعب دورا مركزيا فِي مجال المعرفة) دراسة الشيء الصادق( وَفِي الأخلاق) دراسة الحسن( وَفِي الاستتيقا ) دراسة الجميل( يتساءل كانط عَنْ الكيفية الَّتِي يسلكها العقل للوصول إِلَى المعرفة العلمية ويبين بأننا لَا نعرف إلَّا مَا نستطيع ملاحظته فبحث فِي الأخلاق والمبادئ العقلية والكونية للأخلاق ويبين بِأَنَّ أخلاقنا لَا تتعلق بمعرفتنا لكن بالكيفية الَّتِي يتحدث فِيهَا عقلنا إِلَى إرادتنا بِمَا يَجِبُ فعله, إن عظمة الإنسان تكمن فِي منح القوانين للطبيعية و للحرية. يبين كانط أخيرا أننا عِنْدَمَا نقول عَلَى صوتنا هَذَا جميل فنحن لَا نقول شيئا عَنْ اللوحة أَوْ المنظر الطبيعي الَّذِي نتأمله : إننا لَا نقوم إلَّا بالحكم عَلَى حالتنا الانفعالية والعقلية. إن العقل ليس إذن سلطة فكرية معزولة ولكي يَشْتَغِلُ جَيِّدًا لابد أن يفعل هَذَا مَعَ الحساسية, مَعَ الإرادة وَمَعَ العواطف. إن فلسفة كانط تسعى فِي الأَخِير إِلَى الإجابة عَنْ السؤال « مَا هُوَ الإنسان؟ »

فريدريك هيجل

بعد دراسات كلاسيكية بشتوتغرات حَيْتُ ولد, درس هيجل الفلسفة واللاهوت ليصبح رجل دين لكن عوض أن يدخل فِي خدمة الكنيسة أَصْبَحَ معلما فِي بيرن لمدة ثلاث سنوات درس التَارِيخ والاقتصاد والعلوم السياسية. قرأ التراجيديا اليونانية وكتب قصة عَنْ المسيح مبينا أن تعاليمه كَانَت عقلانية. بعد موت والده سنة 1799 نهج مهنة التدريس أولا بايناIena حَيْتُ نشر سنة 1807 فينومينولوجيا الروح الَّذِي يبين فِيهِ العمل الَّذِي يقوم بِهِ الوعي ليتحقق كليه. سنة 1811 تزوج ونشر كتاب علم المنطق الَّذِي خول لَهُ منصبا بهيدالبورغ. أنهى مساره فِي برلين مَعَ الاستمرار فِي نشر كتبه.

كل مَا هُوَ واقعي فهو عقلي وَكُل مَا هُوَ عقلي فهو واقعي.

يعتبر هيجل آخر مشيد للأنسقة الفلسفية, كل مَا هُوَ موجود بِالنِسْبَةِ لَهُ يمكن معرفته لِأَنَّ من غير المعقول القول بوجود الأشياء وبعدم استطاعة معرفتها. إن الواقع عقلي وَلَا يوجد إلَّا واقع واحد, العقل المطلق لكنه يتغير دائما وبما أَنَّهُ لَا وجود لواقع واحد فكل شيء مرتبط بِهِ وَلَا يُمْكِنُنَا تقطيعه إِلَى أجزاء صغيرة الحقيقة إذن هِيَ هَذَا الكل حَيْتُ تتعرف الأشياء عَلَى بعضها البعض. يطلق هيجل الدياليكتيك عَلَى الحركة الَّتِي تجمع كل الأجزاء فِي وحدة وهذه الحركة الَّتِي تنشط الفكر والواقع تحل المتناقضات ضمن حقيقة واحدة متعالية أكثر وَالَّتِي بدورها يَجِبُ أن توفق متناقضات أُخْرَى. مثلا يَجِبُ أن تموت الخلايا الفردية كضرورة لعيش الجسم, فالموت إذن لَا يقابل الحياة, انه جزء من عملية الحياة ذاتها. فِي نفس الوقت يعتبر التفكير دياليكتيكيا : فالكاذب لَا يعارض الصادق لكنه يعتبر جزءا من تكوينه.

فريديريك نيتشه

ابن وحفيد رجل كنيسة لوترية, تخلى عَنْ دراساته فِي اللاهوت والفيلولوحيا الكلاسيكية بجامعة يون ليتحول إِلَى دراسة الفلسفة. كَانَ متألقا حَتَّى أن جامعة بال شغلته قبل أن ينهي أطروحته, كتابه الأول 1872 يبين بِأَنَّ التراجيديا الإغريقية هِيَ انتظام أصيل مَا بَيْنَ النظام والمغالات ) الأمن والجور( كَانَ معجبا بفاغنرVagner لِأَنَّ هَذَا الموسيقي يجسد الصيغة المعاصرة للتراجيديا الإغريقية. أصيب بمرض الزهري وَكَانَ يشعر بصداع دائم وأصبح أعمى. من 1879 إِلَى 1889 كَانَ ينتقل مَا بَيْنَ سويسرا والكوت دازور وإيطاليا و إنتاجه لكتاب فِي السنة, أصيب بالحمق وَلَمْ يكتب أي شيء طيلة الإحدى عشر سنة الأخيرة من حياته.

الحياة إرادة قوة

الحياة عِنْدَ نيتشه نشاط إيجابي متبدل دائما وَأَن الإرادة هِيَ طاقة خالصة فالحياة إذن هِيَ إرادة قوة إِنَّهَا ليست إرادة للسيطرة عَلَى الآخر و إنما قوة تبحث دائما عَنْ تَجَاوز نفسها لِأَنَّ الحياة غير معطاة للإنسان : عَلَى الإنسان أن يبدع حياته الخَاصَّة إن الإنسان النموذجي المسمى بالإنسان الأَعْلَى Superhomme يَجِبُ أن يكون قويا وشجاعا ليحتفي بالحياة, انه لَا يهدر وقته فِي التأسف أَوْ فِي الخجل مِمَّا يفعله وبما أن الحياة تتغير دائما فَلَا يَجِبُ أن يحصرها ضمن مفاهيم الصدق والكذب أَوْ الخير والشر.

ينتقد نيتشيه كل الأخلاق الَّتِي تُرِيدُ الحد من الطاقة الإيجابية للحياة بِوَاسِطَةِ ضوابط تدفع الناس إِلَى الخجل من جسدهم وَمِنْ ممارساتهم الجنسية.. يعتقد نيتشه بِأَنَّ الإنسان يفكر ويعيش جَيِّدًا عِنْدَمَا يكون مبدعا لكن الشيء الوحيد الَّذِي يمكن للفلسفة أن تبدعه هُوَ حياتها الخَاصَّة فالفيلسوف يجعل من حياته تحفة فنية

إدموند هوسرل

إدموند هوسرل ولد بِمَدِينَةِ Prossnitz بالنمسا-هنغاريا من أسرة يهودية, درس الرياضيات بالإِضَافَةِ إِلَى الفلك والفلسفة فِي برلين وفيينا حَيْتُ حصل عَلَى الدكتوراه فِي الفلسفة. سنة 1882 أَصْبَحَ مساعدا للرياضي الكبير Weierstrass فِي برلين ثُمَّ اتبع دروس فرانز بروطاني فِي الفلسفة والسيكولوجيا سنة1886 تحول إِلَى الديانة اللوترية والتحق بجامعةHalle- Wittenberg حَيْتُ كتب دراسة حول الأعداد, تزوج فِي السنة الموالية وبدأ يدرس بجامعة halle الَّتِي مكث بِهَا إِلَى حدود سنة 1901 السنة الَّتِي التحق فِيهَا بجامعة Gottingen , سنة 1916 عين هورسل فِي Fribourg , نزع عَنْهُ النظام النازي حق التدريس نظرا لأصله اليهودي سنة 1933 مات خمسة سنوات مِنْ بَعْدِ فِي فريبورغ.

كل وعي هُوَ وعي بشيء مَا

لَا يمكنني أن أعي أَوْ أشعر بلا شيء ذَلِكَ أن وعيي هُوَ موجه دائما نَحْوَ شيء مَا مثلا إنني عَلَى وعي بالمطر الَّذِي يهطل أَوْ بفرحتي. انطلاقته هَذِهِ تؤسس لنوع جديد من الفلسفة هُوَ الفينومينولوجيا الَّتِي تسعى إِلَى وصف التجربة الداخلية للوعي, يبين بأنه يَجِبُ وضع الثقة فِي الوعي لِأَنَّ كل مَا يمكن أن نعرفه عَنْ العالم يأتي مِنَّا لكن يَجِبُ قبل كل شيء تنقيتها وَأَن نضع جانبا كل الأفكار القبلية ) حَتَّى المفاهيم العلمية( .مثلا يوضعنا مفهوم الزمن الَّتِي تقدمه الساعات والرزنامات بَيْنَ قوسين, نكتشف بِأَنَّ الزمن هُوَ الآن الأبدي خاص بِكُلِّ وعي فردي. تبدل الفينومينولوجيا هَكَذَا التفسيرات النظرية بِوَاسِطَةِ أوصاف بسيطة للعالم. إن مهمة الفيلسوف لَا حد لَهَا بِمَا أَنَّهُ سينظر بنظرة جديدة إِلَى كل موقف ويصفه ويجد لَهُ دلالة حَسَبَ وجهة نظره.

ديوي

بدأ ديوي بالتدريس لمدة سنتين فِي ثانوية بينسلفانيا وَكَانَ فِي نفس الوقت يتابع دراسته الفلسفية,بعد مَا حصل عَلَى دبلومه,عين بالتتالي فِي جامعة ميشيكان ثُمَّ مينوسوتا ثُمَّ شيكاغو حَيْتُ طور فلسفته فِي التربية . أفكاره ستؤثر عَلَى التربية الوَطَنِية الأمريكية مُنْذُ 1903 حَيْتُ بدأ يستدعى إِلَى اللقاءات والبعثات الرسمية إِلَى الصين واليابان وتركيا والمكسيك والاتحاد السوفياتي. إن فكرة الديموقراطية عِنْدَ ديوي أكثر من شكل بسيط للحكم, إِنَّهَا جماعة من الأفراد يتعاونون لتجسيد شخصيتهم الحقيقية فِي الواقع,فعلى التربية والديموقراطية أن يقدما الأجوبة المتعلقة بالسؤال حول :

التطور الكامل للأفراد

تتمركز فلسفة التربية عِنْدَ ديوي حول الطفل وَلَيْسَ حول المدرس إِنَّهَا تقدم قضايا للحل وَلَيْسَ أشياء للحفظ ذَلِكَ أن الكلمة الأساسية عِنْدَ ديوي هِيَ التجربة الفعالة. فعلى التعلم أن يكون تجريبيا أي عَلَى الطفل أن يحل بنفسه القضايا بدراسة مختلف الإمكانات لِأَنَّ الفهم يتدخل دائما فِي إِطَارِ مشخص وأننا نفكر فِي الصعوبات وَفِي المشاكل. ويجب أن نفسر الأشياء ليس انطلاقا من أسباب مجردة أَوْ فَوْقَ طبيعة لكن انطلاقا من مكانتها ووظيفتها ضمن محيط مَا.

إن العقل حَسَبَ ديوي هُوَ عضو بسلوك معين وَلَيْسَ عضوا للمعرفة. والتفكير أداة للتكيف, تكيف ليس سلبيا ولكنه تكيف مرتبط برغبة فِي مراقبة الوسط, المحيط, إن التفكير هُوَ كذلك اجتماعي لِأَنَّ الفرد منتوج المجتمع الَّذِي يعيش فِيهِ كَمَا أن المجتمع هُوَ منتوج للأفراد لِهَذَا تبدو أهمية التربية بِالنِسْبَةِ للديموقراطية

فتجنشتين

ولد بفيينا من عائلة موسرة فِي حقل الصناعة, يعد دروسه فِي الهندسة ببرلين قبل منصبا فِي جامعة مانشستر حَيْتُ قَامَ بأبحاث فِي الطيران ثُمَّ حول أسس الرياضيات بعد هَذَا اشتغل مَعَ برتراند راسل الفيلسوف الإنجليزي الَّذِي أحدت ثورة فِي المنطق الحديث, بعد الحرب نشر أول كتاب Tractus , أصيب بانهيار عصبي فاشتغل كبستاني وكبناء عِنْدَ أخته. سنة1929 سيعود للتدريس فِي كامبريدج. بَعْدَ أَنْ تعب من روتين التدريس بالجامعة انعزل بايرلندا حَيْتُ كتب سنة1947 كتابه الأَخِير : الأبحاث الفلسفية .

إن الفلسفة لَا تقدم صورة عَنْ الواقع

اهتم فتجنشتين مُنْدُ البداية باللُّغَةِ وبالمنطق وبعلاقتهما بالعالم فأفكارنا تترجم بِوَاسِطَةِ الكلمات لِهَذَا وضح فِي كتابه Tractus بِأَنَّ حدود مَا يمكن أن يقال هُوَ فِي نفس الوقت حدود مَا يمكن التفكير فِيهِ.

مِنْ أَجْلِ تجنب غموض اللغة العادية يُرِيدُ فتجنشتين إبداع لغة كاملة حَيْتُ يحل المنطق مكان النحو الغامض غَالِبًا فِي اللغات العادية, لكنه تحقق بِأَنَّ هَذِهِ اللغة الكاملة مستحيلة. وَالبِتَّالِي فان مهمة الفلسفة تنحصر فِي تحليل اللغة العادية مِنْ أَجْلِ توضيح البنية المنطقية لجملها، إن الفلسفة هِيَ فعالية أَوْ نشاط للتوضيح: إِنَّهَا لَا تنتج قضايا فلسفية بَلْ توضح قضايا اللغة العادية. إِنَّهَا ليست رؤية للعالم ولمجموعة من النظريات حول العالم لكنها تعلمنا الشكل المنطقي لجمل اللغة المشتركة, إن المفارقة تكمن إذن فِي : بقدر مَا نتعاطى للفلسفة بقدر مَا تقل الفلسفة.

جان بول سارتر و سيمون دوبوفوار

إن مصير سارتر ودوبوفوار مرتبطين مُنْذُ لقائهما فِي المدرسة العُلْيَا عِنْدَمَا كانا يهيئان لشهادة التيريز فِي الفلسفة. طيلة 50 سنة سيعيش الاثنان ويفكران ويكتبان بالتوازي قصصا وكتبا ومذكرات, سيطالبان مَعَ الشيوعيين باستقلال الجزائر ويندان بالديغولية وينخرطان فِي حركات اليسار المتطرف بعد أحداث ماي 1968. لَمْ يتزوجا أبدا بِحَيْثُ أصبحا نموذجا للزواج المعاصر أَيْنَ تسود أهميه الكتابة والاختيارات الفردية والالتزام بِدُونِ ضمان مؤسساتي.

الإنسان يصنع نفسه بنفسه

كفيلسوف وكاتب وروائي وصحافي ومناضل أبدع سارتر مصطلح الوجودية الَّذِي يؤكد عَلَى الوجود الشخصي ذَلِكَ أن حقيقتي الأُوْلَى هِيَ أنني كائن موجود. بعد هَذَا يَجِبُ أن أختار حياتي : لَا يوجد فِي السماء أي شيء, لَا خيرا وَلَا شرا وَلَا أحدا ليأسرني, يتحدد الإنسان بحريته, بإرادته,بمواقفه, بتفهمه لذاته، بالتزامه، بمسؤولياته. سيدشن سارتر بالفعل رؤية جذرية للحرية الإنسانية « أنا مضطر لأكون حرا » بِالنِسْبَةِ لسارتر لَا يمكن للإنسان أن يهرب من مسألة كونه حر. إلَّا أن المشكل يكمن فِي كيفية استعمال هَذِهِ الحرية.

توظف سيمون دوبوفوار نفس الموضوعات لتصف فِي كتاب الجنس الثاني وضعية المرأة فتؤكد عدم وجود طبيعة نسائية خالدة أبدية أَوْ وراثية, فقمع واضطهاد المرأة يَتَعَلَّقُ بالمجتمع. إن المرأة ليست مضطهدة لأنها فِي مرتبة دنيا و إنما أصبحت فِي هَذِهِ المرتبة لأنها مضطهدة لِهَذَا تقول « لَا نولد نساءا بَلْ نصبح كذلك »

الفلسفة حاليا

لَا يبني الفلاسفة حاليا أنساقا فلسفية كاملة ذَلِكَ أن تأثير العلوم الحقة والعلوم الإنسانية ) التحليل النفسي-اللسانيان-الاقتصاد-الانثرولوجيا الخ( تدفع بِهِمْ إِلَى التساؤل عَنْ البنيات الإنسانية الكبرى: اللغة، المجتمع، اللاشعور، العلم.

ميشيل فوكو

بحث فوكو عَنْ القواعد الَّتِي تسمح بالقول يداخل معرفة معينة بِأَنَّ هَذَا صادق, صحيح\وحقيقي وأنه كاذب, خاطئ. وبين كَيْفَ تحول لنا تصنيفاتنا القيام ببعض الأشياء وَلَا تتركنا نفهمها أَوْ نقول أُخْرَى. لَقَدْ اهتم بالخصوص بِتَارِيخ العلاقات بَيْنَ المعرفة والسلطة وَذَلِكَ بالانكباب مثلا عَلَى الكيفية الَّتِي تَجْعَلُ من السيكولوجيا والطب مرتبطين ببعض المؤسسات كالمستشفيات والسجون. بفضل معرفة خاصة تقيم هَذِهِ المؤسسات بعض الأعراف مِنْ أَجْلِ مراقبة جيدة لأولئك اللَّذِينَ لَا يحترمونها.

ديريدا

يعيد ديريدا قراءة المؤلفات الفلسفية العظمى, ليبين بأننا لَا نستطيع أن نعطي معنى لِهَذِهِ النصوص الَّتِي تتناقض عِنْدَمَا نعير قيمة لأسلوبها والأسئلة الَّتِي تتجنبها. فهو لَا يعطي تأويلا جديدا بَلْ يفكك النصوص. إن فهمنا للغة يتأثر بالقيمة الَّتِي نعطيها لحضور أولئك اللَّذِينَ يتكلمون لأننا نعتبر الكتابة دائما باعتبارها نُسْخَة للغة المنطوقة بِحَيْثُ أن المفاهيم الَّتِي نستخدمها لتأويل النصوص ) صحيح أَوْ خطا- الشكل والمضمون( باطلة من هَذَا المتطور.

كارل بوبر

درس كارل بوبر العلوم الحقة متسائلا عَنْ الَّذِي يجعلها مخالفة « للمعارف الخاطئة » : علم الأساطير, الميتافيزيقا. ينتقد المنهج الاستقراتي ) إيجاد قانون عام انطلاقا من الحالات الخَاصَّة( .تعتبر النظرية علمية إِذَا كَانَت فرضياتها لَا تكذب بِوَاسِطَةِ الملاحظة. كلما صمدت الفرضية العلمية أَمَامَ هَذِهِ الاختيارات فَهِيَّ صالحة لكننا لَا نستطيع أبدا أن نرجعها يقينية من هُنَا السؤال المهم بِالنِسْبَةِ لبوبر ليس هُوَ اليقين وَلَكِن هُوَ نمو المعرفة.

خانKuhn

مؤرخ وسوسيولوجي للعلوم. بَيْنَ طوماس خان بِأَنَّ العلوم لَا تقوم بكيفية عادية بفضل القدرة عَلَى الاستدلال عِنْدَ بعض الأفراد لكن بفضل جماعة علمية تقبل عَدَدًا معينا من الاتفاقيات وتقتسم نفس النموذج للتفكير. ان تراكم الأخطاء ) الانحرافات, الشذوذ( الَّتِي لَا يمكن للنظرية القائمة تفسيرها تجبر هَذِهِ الجماعة عَلَى البحث عَنْ نظرية جديدة تستطيع أن تعتمد كنموذج للبحث المستقبلي. فعلم النفس الاجتماعي للجماعة هُوَ الَّذِي يفسر بالخصوص الانتقال من نظرية إِلَى أُخْرَى.

فايراباندFeyeraband

بول فايرباند درس مَعَ كارل بوبر لكن فِي مقابل هَذَا الأَخِير كَانَ يرغب فِي تشجيع كل أشكال المعارف العقلانية واللاعقلانية فهو يعتقد فِي آخر المطاف بِأَنَّ كل محاولات المعرفة تتساوى : الفلك, السحر, الطبيعيات فكلها تضيف أشياء للإنسانية. يمكن أن نقول بِأَنَّ العلماء لَا يسلكون بِشَكْل مختلف عَنْ أولئك اللَّذِينَ يدافعون عَنْ معتقداتهم اللاعقلانية ويكشف هَذَا التحليل عَنْ نوع من الشك اتجاه العلوم واهتماما بإعادة النظر فِي قيمة وقدرة العقل.

وركهايمر

وركهايمر أدورنو هايرماس يشتغلون بِمُؤَسَّسَةِ البحث الاجتماعي الَّتِي تأسست سنة 1924 بفر انكفورت أثرت هَذِهِ المدرسة فِي كل الفكر السياسي الألماني المعاصر. وضع ماكس وركهايمر باعتباره مديرا للمدرسة فريقا للبحث المتعدد الاختصاصات) سيكولوجيا, سيسيولوجيا-استتيقا-اقتصاد-فلسفة( ليدرس الأسرة والسلطة, ومعاداة السامية فِي امريكا بالإِضَافَةِ إِلَى العلاقات بَيْنَ الفلسفة والبحوث الامبريقية. حلل سلطة المال ثُمَّ دواعي الفاشية ونجاحها.جعلته أحداث القرن 20 إنسانا متشائما فندد فِي كل مرة بِكُلِّ أشكال الهيمنة.

أد ورنو

فيلسوف وملحن) كَانَ تلميذا لالبان بيك( ومنظر فِي الموسيقى, تيودور أد ورنو هُوَ أكبر اسم ثان لمدرسة فرانكفورت فِي كتابة الدياليكتيك السلبي, ينتقد الدياليكيتيك الهيجلي باعتباره ديالتيكا للهيمنة لأنه موجه إِلَى الهوية, انه يرفض كون الفرد خاضع لسبب يوجد الكل, لِهَذَا يُوَجِّهُ تحليله نَحْوَ الفن. أَمَّا نظريته الاستتيقية فتكشف بأنه إِذَا كَانَ النشاط الفني الفردي والخاص هُوَ شاهد عَلَى ندوب أحدثها التقدم فانه يبقى بَعِيدًا عَنْ كل ممارسة للهيمنة.

ماركوز

انه تلميذ لهوسرل وهيدجر, قبل أن يلتحق بِمَدْرَسَةِ فرونكفورت الَّتِي أَصْبَحَ فِيهَا انشط عنصر سياسيا. ينتقد الإرث الهيجلي السياسي والعقلنة الخاطئة للماركسية السوفياتية, تساءل كَثِيرًا عَنْ الأسباب الَّتِي تؤدي بالناس إِلَى الارتماء فِي الأنظمة السياسية أَوْ التفثقراطية الكليانية, لَقَدْ اشتغل عَلَى الجمع بطريقة أصيلة بَيْنَ أفكار ماركس وأفكار فرويد لِتَطْويرِ استراتيجيات ثورية ضد الأنظمة السياسية والاجتماعية الَّتِي تسلب الإنسان. كَانَ يَدْعُو إِلَى الرفض كاستراتيجية للتحرير..

لِمَاذَا ظهرت الفلسفة عِنْدَ الإغريق؟

حوالي القرن 6 ق م تحول نمط العيش فِي اليونان ومستعمراتها الموجودة حاليا فِي تركيا تحولا جذريا : لَقَدْ أصبحت المدن ديموقراطية وَلَمْ يعد الملك هُوَ الَّذِي يقرر و إنما المواطنون. مِنْ أَجْلِ اتخاذ القرار الملائم لَا بُدَّ مِنْ الحِوَار أولا وتفسير الاختيار وتقديم حجج “مِنْ أَجْلِ أنفسنا نقرر قضايانا… ليس الكلام بِالنِسْبَةِ لنا ضار أَوْ مسيء للفعل, إن مَا هُوَ ضار هُوَ أن لَا نتعلم بِوَاسِطَةِ الكلام قبل أن ننفذ ) براكليس أهَمُ مسير ديموقراطي لأثينا( . لَقَدْ أَصْبَحَ الكلام الوسيلة الأساسية للديموقراطية الإغريقية.

قبل هَذَا كَانَ الملك يتشاور فِي سرية وَلَا يفسر قراراته. فِي المدنية الديموقراطية يَجِبُ إتقان الكلام فِي الجمعيات, فِي المناقشات, فِي المحاكم. حَتَّى الشعر أَصْبَحَ عموميا وَكَانَ للجماهير فرصة تذوقه فِي المسابقات الكبرى. كَانَت الأغوراAgora هِيَ الفضاء الرئيسي للمدينة, إِنَّهَا قضاء عمومي يلتقي فِيهِ كل الناس للحديث. نشأت الفلسفة هُنَا وَلَمْ يكن لَهَا أن تنشا فِي جهة أُخْرَى, لأنها هِيَ بدورها تعيش من كلمة لَا تسيطر لكن يَجِبُ أن تفسر ذاتها إِنَّهَا تعيش من الحِوَار وَمِنْ الحرية. بالفعل توجد كيفيات أُخْرَى كثيرة للكلام تنشأ بداخل المدينة الإغريقية فِي هَذَا العصر من الفلسفة : تِلْكَ الَّتِي تحكي لننفعل : التراجيديا والكوميديا، تِلْكَ الَّتِي تقصي الماضي بتفسيره: التَارِيخ تِلْكَ الَّتِي تحكي العالم بتحليله: العلم تِلْكَ الَّتِي تفسر: التَّعْلِيم.

إن التربية مهمة ضمن ديموقراطية مَا لأنها توفر لِكُلِّ واحد الوسائل للمساهمة والحكم الذاتي. كَانَت الكلمة فِي هَذَا العصر تغير القيمة والوظيفة,بالفعل يَجِبُ معرفة الكلام مِنْ أَجْلِ اتخاذ قرارات سياسية مِنْ أَجْلِ الحكم عَلَى المتهمين بالجرائم مِنْ أَجْلِ التسلية فِي المسرح وَمِنْ أجل البحث عَنْ الحقيقة كَمَا هُوَ شأن العلماء والفلاسفة

هل الفلسفة ترف فكري لَا قيمة لَهُ؟

ليست الديموقراطية الإغريقية مماثلة لديموقراطيتنا. فالإغريق لَا يصوتون لشخص مثلهم فِي الجمعيات.انهم يساهمون بأنفسهم فِي هَذِهِ الجمعيات حَيْتُ يقرر مستقبل ومصير المدنية. تستخدم المدن الإغريقية العبيد مِنْ أَجْلِ تخليص الأحرار من العمل اليدوي غير اللائق بِهِمْ. هَكَذَا فالمجموعات الكبرى الَّتِي لَا تساهم فِي الديموقراطية هم العبيد والنساء ) اللائي كن يحكمن فِي

المنازل( , أَمَّا العبيد فهم اللَّذِينَ يوفرون للأحرار الوقت للاشتغال بقضايا المدنية والتعاطي للفلسفة للفن والعلم. ترتبط الفلسفة مثلها مثل العلوم أَوْ الفنون فِي ماهيتها بالوقت الفارغ ماذا نستطيع أن نفعل عِنْدَمَا ننتهي من العمل؟ يُمْكِنُنَا الاستراحة. يُمْكِنُنَا اللهو, يمكن أن نتعاطى للفلسفة أَوْ العلم أَوْ الرسم أَوْ الشعر أَوْ الموسيقى كل هَذَا أَصْبَحَ بِالنِسْبَةِ لنا مهنة, لكن من المهم أن نفهم أَنَّهُ بِالنِسْبَةِ للإغريق هُوَ مَا يفعل فِي الوقت الفارغ إن الفلسفة هِيَ فِي نفس الوقت نشاط حر وترف, عِنْدَمَا تنهي واجباتك,تذهب إِلَى اللعب والفلسفة مثيلة للعب حَيْتُ لَا أحد يربح أَوْ يخسر.

الفن, العلم, الفلسفة هِيَ تسليات, أنشطة حرة نحن لسنا فِي حاجة للقيام بِهَا. بِهَذَا المعنى يمكن القول بِأَنَّ الفلسفة غير ضرورية, وَإِذَا قارناها بعمل مَا فانها لَا تصلح لأي شيء : فَهِيَّ لَا تساعد عَلَى صناعة منتوجات تسمح لنا بالعيش. لَا تدر علينا بعض اللعب أي شيء اللهم اللذة, لذة اللعب نفسه. إن الفلسفة شبيهة باللعب لَا تقدم إلَّا لذة التفلسف لكن هَذِهِ اللذة ليست بديهية كلذة الألعاب لأننا لَا نحصل عَلَيْهَا بِدُونِ جهد,إِذَا كَانَ التفلسف سهلا فلماذا لَا يوجد حاليا فلاسفة؟ هل لأغلبية الناس الشجاعة للتفلسف عِنْدَمَا ينتهون من عملهم؟ عِنْدَمَا تقرر أن تتفلسف فَهَذَا يتطلب إذن بعضا من الشجاعة بِمَا أن هَذَا النشاط لَا يقدم أي شيء بَلْ يتطلب جهدا.

كَيْفَ تساعدنا الفلسفة عَلَى التخلص من القيم المادية؟

إن أهمية الفلسفة بالضبط تكمن فِي كونها ليست عملا بسيطا ذَلِكَ أن بممارستها يتحرر المرء من متطلبات الحياة اليومية. إن الفلسفة لَا تساعد عَلَى البقاء عَلَى قيد الحياة بَلْ تساعد عَلَى الحياة, عَلَى منح معنى الحياة فَإِذَا فكرنا فَقَطْ فِي الأكل والشرب والنوم وَحِمَايَة أنفسنا والتوالد نكف عَنْ أن نكون بشرا, لَنْ نكون إلَّا حيوانات.

فِي الصرار والنملة للأديب لافونتين تمثل النملة الشخص الَّذِي لَا يكف عَنْ العمل دائما, لأنها لَا تفكر إلَّا فِي التغذي وَفِي تخزين الغذاء لفصل الشتاء, شغلها يجعلها متبصرة لكن يحرمها من التمتع بالوقت الحاضر. لَا يدل هَذَا الفعل عَلَى أن الشغل سلبي فِي ذاته: بالشغل ينتج الإنسان الوسائل الَّتِي تساعده عَلَى العيش ويتحرر من إكراهات الطبيعة. مَعَ ذَلِكَ بعض الأشغال تستعبد الإنسان أكثر مِمَّا تحرره ويحصل هَذَا عِنْدَمَا يكون الشغل روتينيا آليا ميكانيكيا ومفتنا وهذا مَا يدينه شار لِي شبلين فِي فيلمه الأزمنة الحديثة. أَمَّا الصرار فانه يغني ويحتفي بالحياة, وَهُوَ بِالنِسْبَةِ للنملة مجرد طفيلي يعيش عَلَى حساب الآخر. الفيلسوف يشبه الصرار لَا ينتج شيئا نافعا للعيش لِهَذَا يقال عادة بأنه غير نافع لكن بِمَا أن الفلسفة لَا تلزم عَلَى ربح شيء مَا بأية طريقة, فَإِنَّها تحرر الإنسان من الأهداف المادية وحرية التصرف هَذِهِ تضفي عَلَى حياته معنى. بالطبع يمنح المال والسلطة أيضًا حرية الوسائل والتصرف المثمن لكن إِلَى حدود معينة فَقَطْ لِأَنَّ قضية المال والسلطة والشرف تستجيب لمنطقها الخاص فبقدر مَا نملك بقدر مَا نريد أكثر فنتحول إِلَى عبيد لَهَا.

كل الفلاسفة اللَّذِينَ آتيت عَلَى قراءة حياتهم هم عَلَى وعي بِهَذَا الخطر لِهَذَا حاولوا البحث عَنْ توازن بَيْنَ العمل ونشاطهم الفلسفي فهم لَا يشتغلون إلَّا مِنْ أَجْلِ تأمين استقلالهم المادي بِدُونِ أن يكون المال هدفهم. أغلبهم فقراء بعضهم يعيش من كتبه، هم أساتذة فِي الغالب وبعضهم يعرفون حرفة كسبينوزا الَّذِي كَانَ يصقل الزجاج والنظارات وَالَّذِي رفض منحة من ملك فرنسا الَّذِي أرغمه عَلَى كتابة نصوص تحت الطلب.

.

لِمَاذَا لَا تقوم فلسفة بِدُونِ لغة؟

إِذَا كَانَ الفيلسوف لَا يتحدد بعمله لكن باللعب فبأي شيء يلعب؟

بالكلمات, لَقَدْ رأينا بِأَنَّ الإغريق اكتشفوا قيمة وأهمية تنوع الكلام. خلافا للرموز الَّتِي تسمح للحيوانات بالتعبير عَنْ خوفها, رغباتها, جوعها فان اللغة الإنسانية لَا تقتصر عَلَى التعبير عَنْ بعض الأخبار بَلْ تصلح أيضًا للحوار, للتوضيح, لإبداع دلالات جديدة. أنا لست فِي حاجة للإحساس بشيء مَا لأ تمكن من التعبير عَنْهُ, لست فِي حاجة إِلَى مشاهدة التفاحة لأقول” تفاحة” وأصفها وَأَوْضَحَ شكلها فنحن عِنْدَمَا نتكلم يمكن أن نقول أشياء لَمْ توجد أبدا وَرُبَّمَا عِنْدَمَا لَا تشير اللغة إِلَى أي شيء تكون مبدعة. تذكر طاليس والفلاسفة الأوائل فِي اليونان لَمْ يكونوا فِي حاجة إِلَى رؤية أَنَّ كُلَّ شيء يتشكل من الماء لإثبات أَنَّ كُلَّ شيء ماء. مَا يهم الفيلسوف هُوَ فهم العلاقة الموجودة بَيْنَ اللغة ورغباتنا ومشاريعنا وذكرياتنا وأفكارنا بالخصوص أفكارنا. مَا هُوَ الفكر؟ مَا هِيَ العلاقة بَيْنَ اللغة والفكر؟ هل نجد أفكارا خارج اللغة؟ هل توجد أفكار خالصة أم إِنَّهَا نتيجة لما رأيناه وسمعناه وأحسسناه؟

يجيب التجريبيون) أر سطو-لوك-هيوم..( والمثاليون) أفلاطون-ديكارت- سبينوزا- هيجل الخ( عَنْ هَذَا الإشكال.

تؤكد المثالية عَلَى وجود أفكار خالصة وأنه ينبغي نسيان جسدنا ورغباتنا للتفكير جَيِّدًا, أَمَّا التجريبيون فيؤكدون بالعكس بِأَنَّ العقل يَتَعَلَّقُ دائما بالإحساس الَّذِي هُوَ البداية, وَهُوَ محدود بأصوله, وسيكون فِي تفكيرنا دائما صور أكثر تجريدا.

مَا هِيَ قواعد اللعبة الفلسفية؟

إِذَا كَانَ الفيلسوف لَا يستطيع أبدا إثبات مَا يقوله فَهَلْ يستطيع مَعَ ذَلِكَ قول أي شيء, عِنْدَمَا تلعب لَا يمكنك أن تقول أي شيء وإلا فالآخرون سيرفضون اللعب معك, توجد قواعد للعب وَهِيَ عَلَى العموم موجودة من قبل. بِالنِسْبَةِ للفيلسوف تتدخل كثير من القواعد بعض مِنْهَا موجود من قبل, فهو مثلا يعبر بلغة لَمْ يخترعها وعليه أن يحترم نحوها وَمَعَ ذَلِكَ يمكنه أن يبدع بنفسه قواعد أُخْرَى يعتمدها مُنْذُ البداية: إِنَّهَا المبادئ فكما أن للرياضيين أولويات يشيدون بالارتكاز عَلَيْهَا نسقهم الرياضي يؤسس الفلاسفة عالما فلسفيا انطلاقا من المبادئ المؤسسة, الفلسفة إذن لعبة للبناء لكن عوض اعتمادlego الأجور نعتمد عَلَى الكلمات .

مَا هِيَ اللغة الَّتِي نستخدمها؟

إن اللغة هِيَ الأداة المفضلة عِنْدَ الفيلسوف لكن لغة الفيلسوف ليست هِيَ اللغة اليومية فهو لَا يقول )إنني جائع أَوْ ناولني الجبنة أَوْ إنني أحب هَذَا الفيلم كَثِيرًا أَوْ انتبه إِلَى الطريق أَوْ الأرض تدور حول الشمس( يحاول الفيلسوف الهروب من الكلام الفارغ وَمِنْ الثرثرة بالرغم من أن هَذِهِ الأحاديث مهمة للتواصل مَعَ الآخرين. فالفيلسوف قريب من الشاعر مِنْهُ إِلَى العالم لكن مَا يكتبه ليس مؤهلا لبعث الانفعالات ) هَذَا جميل, هَذَا محزن, هَذَا ممتع( انه يكتب لحثنا عَلَى التفكير, عَلَى التأمل لاقتراح كيفية جديدة لِفَهْمِ العالم و الإنسان أَوْ كل مَا يتجاوزنا. إن الفيلسوف يعبر ويصف وَلَا يبين ويبرهن كَمَا يفعل العالم, لكنه لَا يصف الأشياء بَلْ العلاقات والاختلافات, إِنَّهُ يوظف جَيِّدًا كل الكلمات اليومية, بالإِضَافَةِ إِلَى بعض المصطلحات التقنية الَّتِي أبدعها وَالَّتِي كَانَ فِي حاجة إِلَيْهَا, كَمَا أبدع الرياضي كلمات كالزاوية المنحرف المعادلة الخ – لكن هَذِهِ الكلمات اليومية لَا يوظفها كَمَا هِيَ فمهمته الأُوْلَى تَتَمَثَلُ فِي فحصها بغية فهم جيد لما تحتويه من أفكار مسبقة ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ كلمات اللغة المتداولة حاملة لمعنى, لدلالة, لقيم وتوظيفها دائما لَهُ قيمة وَكُل مساءلة تنفتح عَلَى تَعْرِيف جديد ليس بالضرورة موجودا فِي القاموس. يحول الفيلسوف الكلمات بتوظيفها ويعطيها معنى جديدا.نرى بِأَنَّ عملا مثل هَذَا غير محدد وَأَن هدفه الوحيد أن يبقى يقظا وألا يسقط كَمَا قَالَ ديكارت بسهولة فِي الظن (المسبقات) والتسرع (السرعة فِي النتيجة).

إن لغة الفيلسوف هِيَ لغة يشيدها بذاته وَهِيَ لغة غير منفصلة عَنْ القضايا الَّتِي يعالجها لِهَذَا عِنْدَمَا نقرأ فيلسوفا وكأننا نتعلم لغة أجنبية بِحَيْثُ يَجِبُ تعلم مفرداته ونحوه لِأَنَّ كل مصطلح متعلق بِكُلِّ المصطلحات الأخرى, مثلا بِالنِسْبَةِ لديكارت: فكرة متميزة هِيَ فكرة مختلفة عَنْ الأفكار الأخرى, إِنَّهَا تتعارض مَعَ الفكرة الغامضة ففكرة واضحة هِيَ فكرة بديهية حاضرة فِي ذهن ثاقب يقض نقيضها هُوَ فكرة غامضة.

إِلَى أي نوع من المخبرين ينتمي الفيلسوف؟

يجسد سقراط جَيِّدًا وجه الفيلسوف ووظيفته الَّتِي تجعله يقترب من مهنة المخبرdetective , فهو لَا ينتهي من طرح الأسئلة مِنْ أَجْلِ فهم الأحكام الَّتِي نسقطها عَلَى الأشياء والموجودات والقيم للاقتراب هَكَذَا من الحقيقة. فِي الهيبياس الصغير لأفلاطون يسأل سقراط خطيبا جَيِّدًا يدعى هيبياس الَّذِي يتحدث بدراية عَنْ شخصيات هوميروس, إليس وأشيل ودلك بمعارضتهما انطلاقا من أفكار مسبقة. الأول كَمَا يقول ماكر مخادع كذاب منافق أَمَّا الثاني فهو صادق. يبدأ سقراط فِي مساءلة هيباس حول هَذَا الحكم:من هُوَ الكاذب؟ وكيف يكون ذَلِكَ؟ هل من البساطة أن نكذب؟ ألا توجد أنواع كثيرة للكذب؟ إِذَا سألني السواح عَنْ طَرِيقِ قصر مَا أشير إِلَى اتجاه خاطئ لأنني لَا أتذكر كيفية الذهاب إِلَيْهِ, هل أنا كاذب؟ توجد أكذوبات ليست هِيَ كذلك, أكذوبات العادة) أن نرد بأننا بخير ونحن لسنا كذلك( هُنَاكَ أكذوبات . اتفاقية) إن الأب نوييل هُوَ الَّذِي أهداك هَذِهِ اللعبة( أي الكذبة الحقيقية لَا تكون هَكَذَا بِدُونِ التفكير فِيهَا مسبقا. إن الكذب الحقيقي هُوَ عبارة عَنْ فن وَهُوَ يفترض الاستعداد والتهيؤ للقيام بِهِ لأنه يتطلب جهدا ونية : للكذب يَجِبُ أن أبطن نية الكذب وهذا يصدق كذلك عَلَى الصدق هل يمكن أن نكون صادقين رغما عنا إِذَا كنا لَا نقدر عَلَى إخفاء أي شيء؟ لَا. يَجِبُ أن تكون عندنا حرية لاختيار قول الصدق أَوْ قول الكذب لكي نتحدث عَنْ الكذب أَوْ الصدق. بطرح مثل هَذِهِ الأسئلة يبين سقراط بأنه من السهولة ان نصف شخصا بأنه كاذب لكن من الصعوبة تَقْدِيم حجج عَلَى ذَلِكَ. إننا لَا نستطيع الحكم عَلَى أي شخص وِفْقًا لتصرفاته, يَجِبُ أيضًا معرفة نواياه فَهَلْ توجد فكرة توجه هَذَا التصرف؟ أَوْ أن هَذَا الشخص يسلك عشوائيا أَوْ هَكَذَا بِدُونِ نية أَوْ بالعادة أَوْ بالاتفاق أَوْ بغضب؟ عِنْدَمَا نقول « لَمْ أتعمد هَذَا » فإننا نبين ببساطة أننا تصرفنا بِدُونِ تفكير وبدون إرادة والحالة أن التفكير الفلسفي يتميز بِهَذَا الاهتمام الحر والمستمر لما نقول ولما نفعل.

مَا هُوَ دور المساءلة؟

يعتبر سقراط المثال نفسه لِهَذِهِ اليقظة والأداة الَّتِي تخول لَهُ عدم الانخداع من الكلام الجميل لهيباس. إن طرح الأسئلة يمكنه من أن ينفلت بسرعة من موقف ذَلِكَ الَّذِي يقول بسرعة « أنا متفق ». التساؤل يمنع الرضى باليافطات الملائمة الَّتِي يقدمها الآخرون لنا. إن إصرار سقراط عَلَى السؤال/ جواب ينتهي إِلَى اكتشاف مفاجئ لهدا يرى بان الكذب والصدق لَا يتعارضان فَقَطْ. إن الكذاب يشبه الشخص الصادق اكثر من ذَلِكَ الَّذِي يقول « لَمْ أتعمد هَذَا » لأنه مِنْ أَجْلِ الكذب لابد فِي البداية من معرفة الحقيقة وأيضا عدم اختيارها. بصيغة أُخْرَى يبرهن سقراط بأننا لَا نقدر عَلَى فعل الخير إلَّا إِذَا كنا قادرين عَلَى فعل الشر. يجد سقراط نفسه مضطرا لربط فكرة الشر بفكرة القوة, فالمقدرة عَلَى فعل الشر هِيَ نفسها القدرة عَلَى فعل الخير. هَذَا مَا توصل إِلَيْهِ عِنْدَ نهاية حوار كل من هيباس وسقراط. أَمَّا التفكير فَلَا يتوقف حَيْتُ يَجِبُ التساؤل عَنْ هَذِهِ العلاقة مَا بَيْنَ العدالة والقوة يَجِبُ إذن البحث المستمر ذَلِكَ أن الفلسفة اشتغال بِدُونِ نهاية « طريق بِدُونِ اتجاه ».

.

لِمَاذَا يعارض العقل العنف؟

فِي حكاية لافونتين, الذئب والخروف,حَتَّى الذئب يفكر ولكنه يفكر بطريقة سيئة ولكنه يفكر مَعَ ذَلِكَ. إِنَّهُ يدخل فِي علاقة مَعَ الخروف بِوَاسِطَةِ الكلمة, فهو يبحث عَنْ أسباب لتصرف الخروف وعندما يتحقق بِأَنَّ الخروف يجيب جَيِّدًا عَنْ كل اتهاماته فَإِنَّهُ يبرح مجال الكلمة والعقل) الأسباب والتحليل العقلي( ويتصرف كذئب فيفترس الخروف مِمَّا يبين لنا أن ضد الحقيقة ليس الخطأ و إنما العنف. أن نبحث عَنْ الحق/ الصدق هُوَ عمل مكرر دائما للفهم والحب, يَجِبُ أن يكون عندنا اتجاه الآخر نصيب ولو قليل من الاحترام لكي نبعث الحِوَار وننتبه إِلَى عَدَمِ تملك آخركلمة لِأَنَّ هَذَا معناه بطريقة معينة افتراس الآخر. كَانَ لسبينوزا شعار يقول « لَا ضحك وَلَا لعب فاللعب الَّذِي يلعبه الفيلسوف لعب جيد, إِنَّهُ لَا يلهو بالآخرين- لَا كراهية بَلْ تفهم » . للفهم يَجِبُ أن نضع أنفسنا مكان الغير, مَا لَا يستطيع الذئب فعله. ذَلِكَ أن هَذَا الأَخِير ينتهي بالاستجابة لطبيعته لكن

لنعترف بأنه قَامَ بمحاولة. نحن بدورنا نتحول إِلَى ذئاب بِمُجَرَّدِ مَا نقول « أنت مخطئ وأنا عَلَى صواب » بِدُونِ رغبة فِي متابعة الحِوَار, وبمجرد مَا نقول « هَذَا صعب عَلَى الفهم » فننتهي بالاستجابة إِلَى جسدنا إِلَى نهمنا إِلَى رغباتنا وننسى التحليل العقلي. لِهَذَا يكون من الصعب التفلسف. إن الممارسة ليس لَهَا حد ويمكن أن يكون هَذَا محبطا, نرغب أحيانا أن نكون ذئابا وَأَن نتوقف لنقول « لَقَدْ وَصَلَتْ, لَقَدْ ربحت ».

يعتبر ذئبا من بلغ الحكمة والفيلسوف ليس حكيما, إِنَّهُ مجرد صديق للحكمة يبحث عَنْهَا ويغذيها فعندما يسأل سقراط الآخرين فَإِنَّهُ يسلك باعتباره صديقا للحكمة, فهو ينطلق من حكم الآخرين ويتبناه وَلَا يقول “هيباس المسكين مَا قلته خاطئ كليا” بالعكس انه يقول « مَا تقول يا هيباس جيد »لكن يضيف بسرعة « لنرى لِمَاذَا هَذَا جيد, لنحلل الأسباب الَّتِي تَجْعَلُ من كل واحد مِنَّا يَبْدُو وكأنه اكتشف بِأَنَّ هَذَا صحيح أَوْ صادق » .إن الحِوَار الفلسفي ليس إِذَا حديثا كالآخرين انه أداة للبحث, بفضله يشيد الفيلسوف تحليلا متواصلا ومنظما, انه يعارض كذلك الخطاب باعتباره حوارا منعزلا ومنفردا, وَذَلِكَ بإقحامه أصواتا أُخْرَى, انه خطاب ينفذ إِلَى عمق المشاكل من سؤال إِلَى آخر, يعثر الفيلسوف عَلَى بعض الأفكار الَّتِي يمكنه تعليلها. أن نُقَدِّم أسبابا يَعْنِي توضيح) وَلَيْسَ فرض الأمر فِي الفعل والعنف( يَعْنِي التعليل ويعني الفهم. إن العقل يصنف ويرتب وينظم ويوحد ويدرج ويربط. التفكير العقلي/ الاستدلال يَعْنِي الربط فالكلمة مِنْ أَصْلِ يونانيratio ) عد، رتب, نَظَّمَ( والترجمة الإغريقية لكلمةlogos تشير إِلَى « الكلمة المنسجمة- الخطاب المقعد ».

العقل واللغة مترابطين فِي العمق هَذَا مَا تقوله كلمةlogos اليونانية.

المحامي يدافع. الممثل يستظهر, الأستاذ يستفسر, الكاتب يحكى الشاعر ينقل أَمَّا الفيلسوف فيعبر عَنْ هَذِهِ العلاقة الهشة والمستعيرة ربما المستحيلة بَيْنَ العقل والكلمة.

لَا نصبح فلاسفة إلَّا بالتفلسف

إننا لَا نتعلم الفلسفة و إنما نتعلم التفلسف كَمَا يقول كانط هَذَا يَعْنِي بِأَنَّ الفلسفة ليست مجموعة من المذاهب والآراء و إنما ممارسة حَيْتُ يمكن أن نصبح فلاسفة بِدُونِ قراءة ولو فيلسوف واحد, كَمَا يُمْكِنُنَا أن نصبح رسامين بِدُونِ نقل أَوْ تقليد أي رسام کَبِير فعندما نقرأ الفلاسفة فَلَا يَجِبُ أن نقوم بِهَذَا مِنْ أَجْلِ حفظ أطروحاتهم وإجاباتهم بَلْ يَجِبُ قراءتهم فِي الحاضر لأننا لَا نفكر إلَّا فِي الحاضر.

يسمي ديكارت كتابه التأملات الفلسفية لِأَنَّ عَلَى كل واحد أن يقوم بِهَا لحسابه الخاص إن التأمل هُوَ تمرين عقلي, انه ممارسة ليس فِيهَا ربح اللهم التأمل بذاته. بالتأمل نغير ذاتنا بِدُونِ مساعدة المعلم فَلَا يُمْكِنُنَا أن نتأمل ونفكر مكان الآخر فعلى كل واحد أن يشق هَذَا الطريق لنفسه وَلَا أحد يمكنه أن يقوم بِهِ لنا..إن2+2=4 موجودة بذاتها وبدون أن نفكر فِيهَا لِهَذَا يمكن للآلات أن تقوم بِهَذِهِ العملية. لكن فكرة)مثل عمل فني( لَا ينجز بِدُونِ أن يأخذ شخص مَا الكلمة ويقول « أنا الَّذِي أفكر فِي هَذَا , عِنْدَمَا أعبر عَنْهُ». يتطلب التفكير دائما أن ننتبه إِلَى الكلمات الَّتِي نستخدمها إِلَى الأسئلة الجديدة الَّتِي يُمْكِنُنَا أن نطرحها عَلَى أنفسنا. فَإِذَا كُنْت تتمنى أن تكون بطلا فِي لعبة التنس, يمكنك فَقَطْ أن تحلم بِهَذَا لكن لَنْ يتحقق حلمك إِذَا لَمْ تأخذ المضرب وتتدرب كَثِيرًا وَلَا يمكنك أن تغش, التفكير بدوره يتطلب جهدا شخصيا.

تعارض الفلسفة إِذَا مَا يحاول المجتمع الاستهلاكي إيهامنا بِهِ كإمكانية اشتراء كل شيء) بِمَا فِيهِ السعادة, الحرية والحكمة( . أَمَّا الخطر فِي الفلسفة فيكمن فِي الاعتقاد بأنه يكفي أن نردد فكرة معينة لكي نبدأ فِي التفكير. والحالة أن الفلسفة تعليم من نوع خاص لأنه لَا يتولد عَنْ ممارستها نتائج أَوْ مبرهنات أَوْ أجوبة صالحة لِكُلِّ زمان ولكل الناس.

فِي أمثولة الكهف, ذَلِكَ الفتى الَّذِي خرج من الكهف ونجح فِي رؤية الشمس, يعود بعد هَذَا ليخبر الآخرين بالالتفات إِلَى الخارج فهم سيصلون بفضله إِلَى اكتشاف أشياء أُخْرَى غير الظلال. بناء عَلَى هَذَا لَا يعلمنا الفيلسوف مَا رآه وَلَكِن ببساطة بأنه من الممكن الخروج من الكهف. أن تكون فيلسوفا يَعْنِي أن تعلم الآخرين الابتعاد عَنْ مَا ألفوا فعله يوميا, الفلسفة يقظة إِنَّهَا تؤكد بأننا لَا نستطيع دوما تكرار مَا قاله الآباء، الأساتذة المسؤولون من كل نوع. أن نتفلسف يَعْنِي أن نستيقظ وندرك بأنه لَا وجود لشيء بديهي أَوْ ربما مقدس مَا دمنا قادرين عَلَى التطرق إِلَى كل شيء. لكن هَذِهِ اليقظة لَا تكتمل أبدا إلَّا عِنْدَمَا نصبح حكماء (بوذا تعني اليقظة) يَجِبُ الاستمرار فِي الرقص فِي حالة البرودة، يَجِبُ اليقظة وإلا تحولنا إِلَى ذئاب.

التفلسف حركة مستمرة دائما يقوم بِهَا كل واحد مِنْ أَجْلِ ذاته. كل الفلاسفة يقولون نفس الشيء إِلَى أولئك اللَّذِينَ يعرفون قراءتهم: “الآن جاء دورك”.

عَنْ الموقع

ان www.men-gov.ma مِنَصَّة مُسْتَقِلَّة شاملة وحديثة تواكب كل مواضيع التدريــس والتوجيه وَالتَعْلِــيم وَكَذَا اعلانات الوظائــف بالمــغرب,وَتَضَمَّنَ كذلك مجموعة من الخدمات والوسائل التعلــيمية التربويــة الَّتِي تبسط وتشرح الأشياء الَّتِي يحتاجها التلمــيذ والطــالب و الأستــاذ والمديــر والباحــث عَنْ فرص الشــغل سَوَاء كت تابعة لمؤسســات الدولة اوغير تابعة لَهَا ، وَتَجْدُرُ الاشارة إِلَى ان هَذِهِ المنصة لَا تمت باي صلة لِوِزَارَةِ التربيــة الوَطَــنِيـة والتَّكْويــن المهنــي وَالبَحْث العلمــي واي مؤسســة وطنية اخرى.
يستفيد سنويا من منصتنا أكثر من 25 مليون زائر وزائرة من جميع الفئات العمرية .
تمَّ الحرص فِي men-gov.ma عَلَى 4 توابت اساسية :
ـ جودة المضامين المنشورة وصحتها فِي الموقع
ـ سلاسة تصفح الموقع والتنظيم الجيد مِنْ أَجْلِ الحصول عَلَى المعلومة دون عناء البحث
ـ التحديث المستمر للمضامين المنشورة ومواكبة جديد التطورات الَّتِي تطرأ عَلَى المنظومة التربويــة
ـ اضافة ميزات وخدمات تعلــيمية متجددة
لمدة 3 سنوات قدمنا اكثر من 50000 مقالة وازيد من 200 ألف مِلَفّ مِنْ أَجْلِ تطوير دائم لمنصتنا يتناسب وتطلعاتكم, والقادم أجمل إن شاء الله.
⇐ المنصة من برمجة وتطوير men-gov.ma وصيانة DesertiGO
⇐ يمكنك متابعتنا عَلَى وسائل التواصل الاجتماعي ليصلك جديدنا: اضغط هُنَا

À propos du site

men-gov.ma est une plate-forme indépendante complète et moderne qui suit le rythme de tous les sujets d’enseignement, d’orientation et d’éducation, ainsi que des offres d’emploi au Maroc, et comprend également un ensemble de services et de méthodes éducatives qui simplifient et expliquent les choses qui répondent aux besoins de l’étudiant, du professeur, du directeur et du chercheur d’emploi, privé ou public, Il est à noter que cette plateforme n’est pas reliée au ministère de l’Éducation nationale, et de la Formation professionnelle et de la Recherche scientifique, et à tout autre institution.
Chaque année, notre plateforme profite à plus de 25 millions de visiteurs de tous âges.
Sur men-gov.ma, nous avons pris en charge 4 principes:
Qualité et exactitude du contenu publié sur le site
Navigation fluide du site et bonne organisation afin d’obtenir des informations sans prendre la peine de chercher
Mise à jour continue du contenu publié et se tenir au courant des nouveaux développements du système éducatif
Ajout de fonctionnalités et de services éducatifs renouvelables
Depuis 3 ans, nous avons fourni plus de 50 000 articles et plus de 00 000 fichiers pour un développement permanent de notre plateforme qui correspond à vos aspirations, et le suivant est plus beau, si Dieu le veut.
⇐ Plateforme développée par DesertiGO et maintenue par men-gov.ma
⇐ Vous pouvez nous suivre sur les réseaux sociaux pour recevoir nos actualités: cliquez ici Trbwya-cm

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *